وقد لقّب بالمدفعجي أثناء فتح عمّوريّة، ليس لأنه تميّز بقلة دقته في إصابة الهدف بالمنجنيق، بل لكثرة تناوله الفاصوليا بالأرزّ وما كانت تسببه هذه الأكلة من أعاصير هوائية في أمعائه، ومن أصوات ترعب العدو عند خروجها.
تعرّف عليه الشيخ سبير الإنكليزي أثناء عرض مسرحيته روميو وجولييت في بلاط الخليفة، فأثار الاشمئزاز في نفسه، ولهول ما سمعه منه ورآه من نكد، عاد سبير إلى أوروبا وانقطع بعدها عن الكتابة حتى وافته المنيّة.
كان لأبي الهول المدفعجي ولد وبنت، وقد تزوجت ابنته من رجل يقال له أبو لدغة، مربعانيّ قصير القامة، لدرجة أنه كان يلوّح برجليه كالأطفال عند جلوسه على الكرسي. كان أبو لدغة شديد الجوع والعطش، يلتهم كل ما يمرّ من تحت يديه بشهية قلّ نظيرها عند أقرانه من أكلة الجبن.
في غفلة من الزمن، وبعد أن فجّر مواهبه في فنون النكد والوعيد، استفاق أبو الهول المدفعجي ليرى نفسه أمينا لديوان الخليفة، وقد عيّن أبا لدغة أمينا مساعدا له. فأكلا الأخضر واليابس، وأتعسا المتفائل والبائس، ووضعا العصي في كل الدواليب من بغداد حتى نواعير حماه، وعطّلا كل فرامانات الخليفة، حتى وقعت الدولة العباسية في الفراغ المدقع، وأضحت مجرد هيكل بلا روح.
وبعد ثورة شعبية، قرر المعتصم باللّه إعفاء أبي الهول المدفعجي من مهامه، فأبى وتكبّر، وزمجر وتقنبر، وصرخ بوجه الخليفة قائلا: الدولة أنا وأنا الدولة.
فما كان من الخليفة إلا أن استدعى أحد رجاله المخلصين المعروف بحربوق الإغريقي، المكنّى بأوليس التدليس، وهو داهية من دواهي العرب، وطلب منه إيجاد وسيلة من بنات أفكاره الجهنمية لوضع حد لممارسات أبي الهول التي زادت عن حدها.
فما كان من حربوق الإغريقي إلا أن اقترح على الخليفة دعوة المدفعجي إلى عشاء يقام على شرفه، يتمّ خلاله تقديم طبق شهي من الفاصوليا والأرز، ولكن على أن يتمّ هذه المرة خلط الفاصوليا بكميات مجروشة من العدس والبرغل والبازيلّا، وما شاكلها من الحبوب شديدة التفاعل. وهكذا كان.
وصل أبو الهول المدفعجي إلى قصر الخليفة، عابسا كعادته، ولكن سرعان ما تبسّم قليلا عند رؤيته لطبق الفاصوليا الملغوم، وانقضّ عليه بنهم. وما أن انتهى من المهمّة، حتى بدأ يشعر برياح عاتية تتحضّر في الداخل، ولكن هذه المرة كان الشعور مختلفا عن كل المرات السابقة. وما هي إلا لحظات حتى أخرج المدفعجي عصفا من الهواء، كان ضغطه كفيلا بتكسير زجاج قصر الخليفة، وبقذف أبي الهول بسرعة الصاروخ من أرض قصر الخليفة صعودا حتى أحد الكواكب السبعة المكتشفة حديثا في عهد المعتصم باللّه.
فقام الجمع وعلا التصفيق، وتوقّف البكاء والنعيق، وتعانق الخصم والرفيق، وعاش بعدها الشعب بأمن وسعادة وأمان.
من كتاب "خواطر الضجر في المترو الباريسي"، لأبي ساجا البيروتي، قريبا في الأسواق.
جداريّات رقميّة - 1
Comments
Post a Comment